استخدام البصائر السلوكية في حماية الموارد الصحية من الهدر

في أوائل عام 2010 واجهت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة مشكلة كبيرة، تتمثل في تفويت المرضى للمواعيد الطبية المقررة، وتشير الإحصائيات إلى أنه يفوت موعد واحد من كل عشرة مواعيد للمرضى الخارجيين في المستشفى، فلا يحضر الأشخاص، ولا يلغون مواعيدهم أو يعيدون جدولتها مسبقاً، وهذا يعني أن هناك 5.5 مليون موعد يفوت كل عام في إنجلترا وحدها. تؤدي المواعيد الفائتة إلى عدم حصول الأشخاص على الرعاية التي يحتاجون إليها عندما يحتاجون إليها، وكانت لحالات تفويت المواعيد وعدم حضورها عواقب لا تتوقف على إهدار الموارد فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى التأثير في كفاءة وفاعلية تقديم خدمات الرعاية الصحية، وزيادة التكاليف المترتبة على المؤسسات التي تقدم الخدمات الصحية الوطنية، والتي ينشأ بعضها بسبب إدخال المستشفيات في نهاية المطاف إجراءات معقدة على الحجوزات الزائدة، ولم تنجح الطرائق التقليدية التي تتمثل في إرسال رسائل تذكير بالمواعيد في إثبات فاعليتها.

في عام 2010 أسست حكومة المملكة المتحدة فريق البصائر السلوكية (The UK government’s Behavioural Insights Team - BIT)، الذي عرف لاحقاً باسم وحدة الوكز (The Nudge Unit)، بهدف تطبيق مبادئ العلوم السلوكية لتحسين نتائج السياسة العامة، ومن أجل معالجة مسألة المواعيد الطبية الفائتة، عملت وحدة الوكز مع وزارة الصحة وكلية إمبريال في لندن لإيجاد طريقة رخيصة وسهلة لتقليل حالات عدم الحضور، وأدى المشروع إلى انخفاض بنسبة 25% في المواعيد الفائتة (من 11.1% إلى 8.5%) دون أي تكلفة إضافية، وهي النتيجة التي نشرت في المجلة الأكاديمية (PLoS One) في عام 2015، فكيف تم ذلك؟

تستخدم الكثير من المستشفيات رسائل نصية قصيرة لتذكير المرضى بمواعيدهم، وهذا التذكير يكون فعالاً إلى حد كبير، ولكننا لا نعرف هل هناك صياغات أو مفاهيم محددة تجعل تلك الرسائل تعمل أفضل على تشجيع الأشخاص على الحضور (أو إعادة الجدولة للمواعيد)؟ تعاونت وحدة الوكز مع الكثير من مستشفيات هيئة الخدمات الصحية الوطنية لتصميم تدخل مستنير سلوكياً، مدركين أن التعديل البسيط على الطريقة التي ترسل بها رسائل التذكير بالمواعيد يمكن أن يكون لها تأثير كبير.

أجرى فريق وحدة الوكز تجربة عشوائية لمعرفة ما إذا كان تغيير صياغة الرسائل الخاصة بتذكير المرضى بالمواعيد عبر الرسائل النصية القصيرة سيؤدي إلى التزام المزيد من الأشخاص بالحضور أم لا، وجربت الرسائل مع المرضى الذين يحضرون إلى خمس عيادات مختلفة في (Barts NHS Trust) عشوائياً لتلقي رسالة واحدة من سبع رسائل مختلفة. عمل الفريق على تجريب مجموعة متنوعة من مفاهيم العلوم السلوكية، كان التدخل الفائز هو الرسالة التي تشير إلى التكلفة التقريبية للموعد الفائت في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وتحققت النتيجة ذاتها عندما كررت التجربة مرة أخرى مما جعلهم واثقين من أنها نتيجة حقيقية، وكان من المثير للاهتمام أن طرح الفكرة نفسها بعبارات أكثر عمومية، دون ذكر تكلفة محددة كان أقل فاعلية، مما يوضح مدى أهمية التفاصيل، وتضمن التدخل في نهاية المطاف إرسال رسالة نصية إلى المرضى تذكيراً بمواعيدهم الطبية القادمة، وبعد التأمل والتفكير وتجريب عدد من الصياغات كانت الإضافة المعتمدة لرسائل التذكير بالمواعيد جملة صيغت بعناية في نهاية الرسالة تقول: "أجب بـ "إلغاء" لإلغاء موعدك أو إعادة جدولته مجدداً" مع ذكر التكلفة التقريبية للموعد الفائت.

استفاد التدخل من البصائر السلوكية في جعل السلوك المرغوب سهل الأداء، فأتاح المجال للمرضى بالإلغاء أو إعادة الجدولة من خلال رد بسيط، وأصبحت العملية مريحة وتتطلب الحد الأدنى من الجهد، إذ أصبح خيار الإلغاء أو إعادة الجدولة يشجع بفاعلية كبيرة على نحو متقدم من الالتزام، فكان المرضى أكثر احتمالاً للتفاعل مع الرسالة بمجرد النظر في جدول أعمالهم، واستعراض الخيارات المتاحة ضمن الرسالة لاختيار الخيار الذي يناسبهم. وكان تأثير التدخل لافتاً للنظر، فقد لاحظت المستشفيات التي طبقت رسائل التذكير النصية المتضمن خيار "الإلغاء" انخفاضاً كبيراً في المواعيد الفائتة، وكان للتعديل السلوكي تأثير إيجابي في سلوك المريض، مما يدل على أن تغييراً بسيطاً في صياغة الرسالة يمكن أن يؤدي إلى تحسينات كبيرة، كما أدى نجاح هذه المبادرة إلى اعتماد استراتيجيات مماثلة على نطاق أوسع في أنظمة الرعاية الصحية على مستوى العالم. وأصبح نهج دمج البصائر السلوكية في رسائل التذكير بالمواعيد من أفضل الممارسات، وبينت التطبيقات العملية للعلوم السلوكية مدى تحسن نتائج الرعاية الصحية.

تسلط قصة عمل وحدة الدفع في تقليل المواعيد الطبية الفائتة الضوء على الإمكانات التحويلية للبصائر السلوكية. فمن خلال فهم السلوك البشري وتصميم التدخلات المناسبة، حققت وحدة الوكز تأثيراً ملموساً وإيجابياً على كفاءة خدمات الرعاية الصحية.